رضا خالد، نحو أفق إسلامي جديد: الرسالة- الشريعة- المجتمع. دار الجنوب 2012، 493 صفحة،الثمن: 1 د.ت، .ISBN : 978-9938-01-054-1

 

يقدم رضا خالد كتابه، نحو أفق اسلامي جديد، كامتداد لحركة التنوير التي انبثقت في القرن التاسع عشر و كتجذير للمقاربة النقدية في التراث الديني .فالكتاب لا يختلف في غاياته الأساسية عن غيره من المؤلفات التحديثية. بل قد يوحي العنوان الأصلي و أبوابه الفرعية بان رضا خالد يدلي بدلوه في مجال أصبح اليوم يشكو، مقاربة و تاليفا، تضخما كبيرا.

في استعراضه الدقيق لمراحل الفقه الاسلامي ومذاهبه، يشدّد رضا خالد على مواطن الوهن في هذه المنظومة ليخلص الى أنّ القراءة الجامدة والتراكمية للتشريع الاسلامي" غلّبت الوفاء للموروث و الاخلاص للسلف الصالح و التسليم للفقهاء" ." و أنّ "هذا الوضع البائس هو محصّلة قرون من الترويض هيمن فيها الفقهاء على العلوم الدّينية فهيمنوا على الحياة" و قد ساعدتهم في ذلك" حالة من البلاهة العامة أو ما اتفق المفكرون، بعد اوليفيي روا ،على تسميته ب" الجهل المقدّس". يشكّل اذا التوصيف النقدي للموروث الفقهي في هذا الكتاب قاسما مشتركا بين رضا خالد وأغلبية الباحثين. و لا أظن أنّ المؤلف يطمح، في باب التعليل والتحليل، الى التفرّد أو التميّز. فالنصوص معروفة لدى أهل الاختصاص على اختلافهم في تأويلها و الحجج والقرائن مشاعة بينهم.

 

 

غير أنّ نشر الكتاب في المرحلة السياسية الرّاهنة التي تمرّ بها تونس لا يخلو من نزعة نضالية على خلفية "صراع محموم حول توجيه الضمائر". انّه صراع تغذيه أقوال و أفعال وقرارات الحركة الاخوانية بعد اعتلائها سدّة الحكم منذ عام في بلادنا.

يقع الكتاب في 500 صفحة من الحجم الكبير و ينقسم الى خمسة فصول :يستعرض المؤلف في الفصلين الأوّلين نشأة التشربع الاسلامي و مصادره( الكتاب، السّنّة، الاجماع و القياس) مؤكّدا على الفوضى التي وسمت فقه المذاهب ومبرزا استمرار تدهوره حتّى الحروب الصليبية، عندما " جاء قرار سدّ باب الاجتهاد اعلانا رسميا بدخول الفقه في غيبوبة مستدامة". في الفصول الأخرى، لا سيما في الأخير منها ، " الرسالة و الشعب أوّلا"، يحاول رضا خالد الاسهام في تاسيس مقاربة تحديثية بديلة تعتمد على العقلانية وفقه المقاصد.

رغم الحجم الكبير للكتاب،  فانّ مؤلفه اعتمد منهجا تبسيطيا اذ شفع كل جزء من أجزائه الخمس بخلاصة دقيقة و شافية لمن لا يروم الخوض في تفاصيل التشريع الاسلامي أو في الحيثيات التي حفّت بتطوّر مذاهبه عبر التاريخ. انّ في تبسيط المفاهيم( مصادر التشريع) محاولة معرفية لردم الهوّة التي عمّقها، بالتراكم ، خطاب الفقهاء بين علوم الشرع من ناحية وهموم عموم الناس من ناحية ثانية.

نتبيّن جليا هذه النزعة البيداغوجية لدى المؤلف عندما يقارن " العقيدة" ب"الشريعة". فالعلاقة بينهما تقابلية، كتقابل الثابت والمتحوّل. انّ العقيدة، كما حدّدها رضا خالد، تحيل على المبادئ الأساسية للدين( الإيمان بالرّسالة ، بالغيب ، الخ) فهي تتّسم بالاستقرار و الديمومة بينما تشكّل الشريعة في الأديان التوحيدية الثلاث الجانب المتحوّل طبقا للضّرورة في الحياة و المجتمع. فالشريعة، في مواكبتها للمتغيّر، تتطلّب دوما " قراءة تكييفية للنصوص" و القطع مع" التصوّر الثبوتي للإحكام " حتّى " وان استدعى ذلك تبديل الأحكام الواردة في النصوص بالنظر الى مقاصد الرّسالة".

لكنّ طرافة الأثر تكمن أساسا في علاقة المؤلف بالمؤسّسة الفقهية

ان كان رضا خالد يقرّ بالوظيفة الدينية و الاجتماعية للفقيه في مجتمعاتنا اقرارا لا لبس فيه و يدعو الى ضرورة تعصيرها ، فانّه لا يخفي سعيه لتشريك المفكرين من غير الفقهاء في استنباط الأحكام الدينية و قد جاء كتابه تكريسا لهذا النهج الجديد: فرضا خالد، المحاضر لدى المنظمات الأهلية البلجيكية، أتى الى التفكير في الفقه من خارج المؤّسسة الدينية وهو لا يطمح الى مقارعة الفقهاء، " الرسميين الموظفين"، بقوّة الحجّة النصيّة بقدر ما يهدف الى تكريس حقّه، كمواطن مسلم، في اعمال العقل و ممارسة النقد في الموروث الديني .رغم تناوله لمسائل فقهية خالصة، ارتأى رضا خالد أن ينأى بكتابه عن الجدل القديم الذي استشرى بين المذاهب و الذي أعيد تأهيله عبر الفضائيات منذ العشريتين الماضيتين ترويجا للأطروحات الأصولية، اخوانية كانت أو وهابية.

الأفق الاسلامي الجديد الذي يدعو اليه رضا خالد مازال بعيد المنال لعمق الفجوة المعرفية بين حاضر تسيطر عليه حركات سلفية وبين ذلك المستقبل المنشود، الذي "يصبح فيه كل مسلم حرّا لا يستعبد أحدا و لا يستعبده أحد". لكنّ الكتاب يعبّر لدى المفكرين المسلمين المستنيرين عن وعي متنامي بضرورة استرجاع التراث الفقهي ممّن يوصفون ب"أهل الذكر" أو "السلف الصالح" و بفك طوق القدسية الذي حال دون تحيينه و تحديثه.

شعبان الحرباوي