"الثقافة و الآخر، تكريما للطاهر لبيب"، تأليف جماعي، الدار العربية للكتاب، 2006 ، 300 صفحة .


 

أضحت المساءلة الثّقافية مساءلة ضروسا وشائكة خاصّة أنّ "الثّقافة" مفهوم يعسر تحديده كما أنّ مداخل دراستها أصبحت لا تحصى، ولكن لا يجب أن يؤخذ ذلك على كونه غموضا وعجزا بقدر ما يؤكّد ثراء المساءلة الثّقافية وانفتاحها على المجالات السّياسية والاقتصادية والتّاريخية لا سيما اٍفلاتها من سلطة الزّمان والمكان. فالثقافة العربية الإسلامية قادرة، كغيرها، على إحياء مخزونها وإثبات وجودها بين الثّقافات الأخرى...وقد وجدنا في كتاب "الثّقافة والآخر: تكريما للطاهر لبيب"محاولة مميزة استطاعت أن تجيب على بعض الأسئلة الحارقة وتدفع عن المثقّفين المسلمين والعرب تهم الجمود والعجز والوفاء وفاء أعمى للسلف.

 

 

صدر كتاب "الثّقافة والآخر: تكريما للطاهر لبيب"، عام 2006م عن الدّار العربية للكتاب ويمتد على 300 صفحة. وهو حصيلة لندوة علمية نُظمت تكريما للأستاذ  الطّاهر لبيب بالمعهد العالي للعلوم الانسانية بتونس عام 2004 بالتعاون  مع الجمعية التّونسية لعلم الاجتماع.انّ مسيرة المٌحتفى به متعدّدة المشارب  ممّا يسهم  في  تحفيز  القرّاء على الاقبال على مطالعة هذا الأثر و في فهم مدى أهمّية ثقافة التنوّع كلّما تناولنا  صورة الآخر.

لقد واصل الطّاهر لبيب دراسته في جامعة الصّربون وتحصّل على الإجازة في اللّغة والآداب العربية والدبلوم العالي في علم النّفس الجماعي التّطبيقي، ثمّ الأستاذية في الدّراسات الإسلامية والدّكتوراه في علم الاجتماع. وشغل وظيفة أستاذ جامعي بتونس ثمّ بلبنان وخبير بالمنظمة العربية للترجمة إضافة إلى رتبته كمستشار باليونسكو...إنّ هذه المنارات تكشف أنّ للرّجل مسيرة محترمة من الجدير بنا وضعها على محكّ الدّرس والاستفادة من إضافاتها والاعتبار من نقائصها.

ورغم أنّ محوري النّدوة كانا علم الاجتماع والفلسفة إلاّ أنّ مداخلات عديدة لمؤرّخين وشعراء  أثرتها وأثّرت فيها إيجابيا: نذكر منها  نصّا لأدونيس  كشف فيه صاحبه بأسلوب شعري ساحر عن بعض خفايا مسيرة الطّاهر لبيب بتونس ولبنان مسلّطا الضوء على ذلك "القلق الرّجيم الرّحيم" الذي ميّز المُحتفى به وصيّره منتجا للثقافة  و الفكر.

لقد تفجّرت الأسئلة و تعدّدت الزوايا ليتطارح المشاركون مسائل كثيرة مثل   التّثاقف واللّغة والحوار الثّقافي والحوار الحضاري كما تدارسوا علاقة ثقافة المستعمَر بثقافة المستعمِر انطلاقا من المشروع الاستعماري الفرنسي لتونس والجزائر و كذلك ما يسمّى ب"صدام الحضارات" في علاقته بالهوية الثّقافية واالعولمة...وهي إشكاليات ظلّت متشعّبة ومتداخلة على امتداد العقود الأخيرة. لم يعمد المحاضرون إلى مدح الشّخصية المحتفى بها أو الى إخراجها إخراجا مجمّلا. بل انطلقوا أساسا من إشكالات أثارتها  مسيرة الطاهر لبيب على امتداد أربعة عقود وتناولوها بالدّرس في سياقات المستجدّات السّياسية والاقتصادية والاجتماعية العالمية الحديثة و وثّقوا لأعماله ومؤلفاته ومحاضراته بكل دقّة. كما تفاعلوا تفاعلا نقديا مع ما أنتجه الرّجل في الحقل السوسيولوجي لإعادة "اكتشاف البديهي من جديد" و"زعزعة السّائد والمألوف والمتوقع".

فكانت المحاضرات المقدّمة تنتقل عبر الزّمان والمكان دون حدود بدءا بالحياة البدائية للإنسان.. الى العصر الذّهبي للحضارة الإسلامية بانتشار إبداع ابن رشد وابن عربي... مع إطلالة تاريخية على أوربا وآثار نيتشه وماركس ولفي ستروس.وجاءت هذه الدراسات مدعومة بًٌإحاطة عميقة وواعية بما أنتجته الأطروحات الحديثة مثل رهانات تشارلز تايلور وصامويل هنتغتون. كلّ مداخلة تضيف للأخرى وتتفاعل معها في كنف الإثراء والإضافة دون تحنيط السّائد أوتمجيد السّابق.

 

سيكون هذا الأثر قبلة الباحثين لأنّه يتناول إشكالات نحن في أمسّ الحاجة إلى طرحها.و قد شُفعت هذه المحاضرات بمجموعة من المصادر والمراجع العربية والفرنسية تمّ توثيقها توثيقا محكما يجعل الباحث يثق بها و يعتمد عليها.