محمد ذويب، ملحمة بن قردان، أسرار وخفايا معركة مارس 2016، منشورات سوتيميديا، 2020، 184 صفحة،الثمن 25.000د.ت.

ISBN : 9 789938 918762

 

كم نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى الاحتفاء بحدث وطني جامع يخفّف من خيبات العشرية المنصرمة وينسينا، ولو إلى حين، مجاميع البؤس السّياسي التي تداولت علينا بعد الانتفاضة. فرَكِبَتْنَا كما تُرْكَبُ الدّواب باسم "الانتقال الدّيمقراطي" وتحت ذرائع أخرى منافية لقيم الديمقراطية. لقد أفسد الحكّام الجدد حسّنا الجَمْعِي وكادوا أن يقتلوا فينا نخوة الانتماء إلى الوطن.

 

 

في صبيحة السابع من شهر مارس 2016،  اقتحمت كتيبة "البتّار" الدّاعشية مداخلَ مدينة بن قردان وكادت أن تستولي على مؤسّساتها الحيوية لو لا جاهزية القوى الأمنية والعسكرية التونسية التي صدّت هجومها  وقلبت مجرى الأحداث بعد قتال مرير. فألحقت بها هزيمة نكراء على مرأى ومسمع من أهالي المدينة ومن متابعي الشاشات المحلّية والعالمية محبطة بذلك عملية فائقة الدّقّة والخطورة. إذ "كان مخطّط التنظيم يقضي بإقامة إمارة على أرض بن قردان في موقع استراتيجي حسّاس برّا وبحرا قد يمكّن مستقبلا من التمدّد نحو مدن أخرى قريبة."

لقد لعلع صوت الرّصاص الحي في شوارع بن قردان طيلة اليوم وهبّت، بعفوية كبيرة، جموع من المواطنين العزّل نصرة للجيش والشرطة وشحذا للهمم في ساحة القتال. فارتجّ لذلك الحدث الجلل "برْ تونسْ بِتَمَامِهِ وَكَمَالِهِ"، كما كان يحلو للزّعيم بورقيبة أن يصف وحدة التونسيين أيام المحن الكبرى.

1- السّرد المقاوم

في كتابه  الصادر أخيرا عن منشورات سوتيميديا تحت عنوان  ملحمة بنقردان:أسرار وخفايا معركة مارس2016 ، يوثّق محمد ذويب  بالنص والصورة تفاصيل تلك المعركة المشهودة  مركّزا السّرد على  أبعادها العسكرية والجغراسياسية. إذ لم يقتصر في تحقيقه على المصادر المكتوبة من تقارير صحفية وبلاغات أمنية وإنّما طعّمها أيضا بشهادات شفوية لشهود عيان ولبعض العناصر الأمنية التي شاركت في القتال. كما أورد في الفصول الأخيرة من كتابه ردودا وأقوالا مؤثِّرة لأولياء الشهداء والجرحى تتقاطع جلّها مع تلك المقولة التونسية الشهيرة: "بلادي قبل أولادي ووطني قبل بطني". يولي  المؤرّخ الشاب محمد ذويب اهتماما خاصّا للحِقَبِ الأكثر تعقيدا في التاريخ التونسي الحديث والمعاصر. فلقد أصدر سنة 2017 محاولة مماثلة  تناول فيها فترة إشكالية من تاريخ المقاومة الوطنية بعنوان الفلاّقة واليوسفية من خلال المصادر الشفوية( سوتيديميا للنشر والتوزيع، تونس).  إنّ معركة بن قردان لا تقلّ قيمة تاريخية  أو بعدا رمزيا عن سابقاتها أيّام الاستعمار.

ما كان للتونسيين أن يُسْتنفروا كما اُسْتُنفِرُوا يوم 7 مارس 2016  لو لم تُثِرْ الهجمةُ الدّاعشية  حفيضتَهم التاريخيةَ من جديد  ضد الغزاة. فقاتلوا بشراسة كبيرة كتيبةَ "البتّار"الغازية، لصفتها تلك، حتّى وإن كان جلّ عناصرها يحملون الجنسية التونسية. في ملحمة بن قردان، يعرّف محمد ذويب بهوية الشهداء من المدنيين والعسكريين والأمنيين وينشر صورهم الشمسية ويتوقّف عند مراسم دفنهم وكأنّه يُسهم بسرده في تشييعهم، فردا فردا، إلى مثواهم الأخير في كلّ من بن قردان والسند وسيدي بوزيد والحامّة والسواسي وتطاوين وبوشمّة.... إنّه لا يتوانى في الدّفاع بحماسة عن هذه المدينة المقاومة معبّرا عن انحيازه لذاكرتها الوطنية. ناهيك أنّ حرصه الشديد على ترسيخ الأحداث في كتابه يجرّه أحيانا إلى تكرارها وكأنّي به يَسْعَد بالتذكير بها من فصل إلى آخر. قد يؤاخذ محمد ذويب على  ذلك التذكير المتكرر في كتابه. بيد أنّ حماسته في السّرد لا يبرّرها واجب الاحتفاء بالحدث احتفاء ملحميا بقدر ما تعبّر، في واقع الأمر، عن خيبة المؤلّف من تجاهل  السلطة المركزية لمنجز بن قردان  التاريخي:"بن قردان التي قدّم أهلها ملحمة تاريخية أبهرت العالم ما زال أهلها ينتظرون تحقيق ذلك الكم الهائل من الوعود التي وعدوها بها الحكام قبل  الملحمة وبعدها،  لكن لا شيء تغيّر وقد ازداد الوضع سوءا". بل إن وقوف محمد ذويب عند  كل صغيرة وكبيرة في المعركة إنّما ينمّ عن توجّسه من أن ينساها التأريخ الرّسمي، أو بالأحرى، أن يتناساها ومن أن يتواصل تهميش  بن قردان خاصّة والجنوب التونسي عامة. لقد عاشت المدينة لعقود طويلة، ولا تزال، على هامش الوطن وقد تلقى معركتُها، التي خاضتها في مارس 2016 للذّود عن حدود تونس وعن وجودها، المصيرَ نفسه. إنّ ذاكرتها الجهوية الحيّة  ليست، اليوم، بمأمن من خطر  التعتيم الإعلامي والتبخيس المعرفي لدى النخب الفكرية والرّسمية.

يشكّل كتاب ملحمة بن قردان إنجازا توثيقيا مهمّا  لا لأنّه يعدّ باكورة التحقيقات في هذا الحدث الوطني الكبير فحسب وإنّما  أيضا لأنّ صاحبه  جمّع فيه المادّة السردية الأساسية حول معركة 7 مارس 2016 وأحال بدقّة على كلّ مصادرها ورتّب الوقائع  وفقا لسياقاتها الزمنية. على المستوى السّردي ، لم تكن صياغة حيثيات المعركة عملا هيّنا على محمد ذويب لأنّ واقع الكتائب الجهادية اتّسم أساسا بحركية كبيرة في فضاء مفتوح  وبعدم الاستقرار التنظيمي الذي بلغ  أحيانا حالة من الفوضى العارمة. فإنّه يصعب، بالتّالي،  على الباحث تعقّب عناصرها في حِلّها وتِرحالها على المستويين التنظيمي والجغرافي. لذلك ركّز محمد ذويب كلّ اهتمامه على كتيبة "البتّار" دون غيرها وكثيرا ما التجأ إلى التشبيك بين المعلومات التي استقاها من مصادر مختلفة  كاشفا عن جوانب عديدة من مسيرة هذا التنظيم.  رغم أنّ بعض الفصول تشكو تضخّما معلوماتيا، فإنّ هذا التقاطع كان سيمثّل نقطة قوّة وارتكاز أساسية في الكتاب  لو أنّ محمد ذويب اعتمده  منهجا في استقرائه لكل أبعاد المعركة، لا سيما السّياسية منها. فالتشبيك الشّامل يوفّر للباحث حيّزا للمقارنة والتمييز والتعليق  ويخفّف ، في الآن نفسه،  على القارئ سطوة السرد المسترسل.

كانت كتيبة "البتّار"، عند تأسيسها سنة 2012،  مجموعة ليبية خالصة. تحوّلت إلى سوريا والعراق بعد أن قاتلت نظام القذافي وانظم إلى صفوفها كثير من التونسيين ليتولّوا فيها مناصب قيادية. ثم تطوّرت عملياتها العسكرية في الشّام إثر مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية سنة 2013 فأسهمت في بسط نفوذ داعش على الشرق السوري وفي دحض مجموعات إرهابية أخرى كانت منافسة لها. كما شاركت بين 2014 و2015 في معركة بيجي في العراق وتكبّدت فيها خسائر كبيرة. "لكن بعد تشديد الضربات السّورية والرّوسية والأمريكية على التنظيمات الإرهابية في سوريا وبداية تضييق الخناق عليها خيّرت بعض عناصرها خاصة من التونسيين والليبيين الانتقال إلى ليبيا وتشكيل التنظيم هناك".

تلك هي المعطيات الأساسية التي غيّرت طبيعة الإرهاب الإسلاموي في بلادنا تغييرا جذريا. إذ أقدمت عناصر"البتار"، منذ 2015، على توسيع دائرته لتطال الفضاء الحضري والمؤسّسات السياسية والاقتصادية فيما كان، طيلة السنوات السابقة، محصورا في الجبال لا يستهدف إلاّ القوات الأمنية والعسكرية.

2- الإرهاب في تونس وخديعة الطفرة المعلوماتية

وعيا منه بالإشكاليات التي يطرحها الإرهاب الإسلاموي على مستوى التوثيق ،  يقرّ محمد ذويب،  في خاتمة كتابه، بأنّ عمله لا يعدو أن يكون تحقيقا أوّليا في مجْرَيات تلك المعركة" في انتظار أعمال أخرى لاحقة تكشف حقائق أخرى". لا أرى شخصيا في هذا التنسيب لمجهوده مجرّد تعبير بروتوكولي لأنّ "غزوة بن قردان"، كغيرها من العمليات الإرهابية في تونس،  لم تبح بَعْدُ بكل أسرارها وربّما ما خَفِيَ (أو أُخْفِيَ) من حقائقها كان أعظم وأشد.

درءا للالتباس، يتوجّب التوكيد هنا أن كلّ ما ورد في الكتاب مُثبَتٌ بالوثيقة والبرهان ولا يرتقي إليه الشكّ. بل ولأنّه كذلك، فإنّه يطرح تساؤلا ملحّا حول مدى فاعلية الوفرة المعلوماتية في استجلاء خفايا تلك الغزوة. فالكتاب يحتوي على كمّ هائل من الأخبار حول التنظيم وعناصره. لكنّه بدا لي مثقلا بمادّة إعلامية سميكة قد ضيّقت آليا على صاحبه أفق استثمارها في قراءة متماسكة ومتناسقة للواقعة. بل أزعُمُ أنّ هذه الطفرةَ الإخبارية قد غيّبت، بشكل غير مباشر، تساؤلات محورية حول بعض المؤشّرات الهامة التي وردت في الكتاب.

3- وجدنا البَعْرَةَ… فأين البَعِيرُ؟

من المفيد جدّا أن يعلم القارئ أنّ جلّ العمليات الإرهابية  التي طالت تونس سنة2015  كانت من تخطيط  كتيبة "البتّار" ومن تنفيذ عناصرها التونسية بدءا  بالهجومين  الدّاميين على باردو  ثم سوسة ووصولا  إلى معركة  بن قردان في السنة الموالية. إنّ مثل هذه المعلومات، على مصداقيتها الكبيرة، تترك  لدى متلقّيها انطباعا لا يعكس بالضرورة تعقيدات المشهد الإرهابي في تونس. إذ يتراءى له أنّ   "البتّار" كان يشكّل  تنظيما مستقلا بذاته  وأنّه ، بالتّالي، يتحمّل بمفرده مسؤولية ما قام به في تونس. وكذلك الحال بالنسبة لبقية المجموعات حيث تبدو لنا الهجمات المنسوبة إلى "جند الخلافة" وكأنّها منفصلة تماما عن تلك التي نفّذتها كتيبة"عقبة بن نافع"، إلخ، إلخ. لكنّ كتاب ملحمة بن قردان يكشف، فيما يكشف، هشاشة الحدود الفاصلة بين كلّ التنظيمات الإسلاموية، العلنية منها والسّرّية. فبقدر ما تنقسم على بعضها البعض ويصل بها خلافها الحركي أحيانا إلى التناحر، فإنّها سرعان ما تعيد انصهارها من جديد في كيان جامع. وإذا ما استحالت عليها إعادة  التنظّم تحت مسمّى مُوَحِّد، فإنّها تُبقِي على جسور التواصل  السّرّي فيما بينها معوّلة في ذلك على عناصرها المُخضرَمة، خاصّة تلك  التي مرّت في مسيرتها الجهادية بأغلب الكتائب. فهذه المجموعات، في مجملها، لا تتوفّر على أدنى مقوّمات التنظّم الذّاتي. ونظرا لأنّها  تتصدّر المشهد الإعلامي تحت مسمّيات عديدة، فهي تحُول، عند التقصّي، دون النفاذ الفعلي إلى حاضنتها الخلفية الجامعة حيث تكوّنت قياداتِها، جيل بعد جيل، وكرعت تباعا من الفقه التكفيري.

لا ريب أنّ الإرهاب أصبح الآن ظاهرة مُعَوْلمةً وباتت مِيكَانِزْمَاتُهُ شبه مكشوفة، إلاّ أنّه يكتسي في تونس بعض الخصوصية جرّاء طبيعة المرحلة السياسية الرّاهنة. فلقد تعثر التحقيق حول شبكات الإرهاب وشخوصه ومنابعه في بلادنا تعثّرا كبيرا منذ أن اعتلت حركة "النهضة" ذات المرجعية الإخوانية سدّةَ الحكم. فيما تستنكر قياداتها بشدّة العمليات الإرهابية وتنكر، بشدّة أكبر، صلتها بمُرتكِبِيها،   تترسّخ  شيئا فشيئا لدى عموم الناس القناعة أنّ هذه الحركة ما فتئت تتحكّم ، مباشرة أو عن طريق وسائطها داخل دواليب الدّولة، في التقارير الأمنية والدّوائر القضائية. فهي متّهمة باستغلال سلطتها السّياسية لتسريح  الموقوفين في هذه القضايا ولتخفيف الأحكام ضدّ المدانين منهم.

لا يسع محمد ذويب، وهو يحتفي بالذكرى الثانية لملحمة بن قردان كرمز للوحدة الوطنية، إلاّ أن ينأى ببحثه عن السّجال السياسي الدّائر حاليا حول الإرهاب متحاشيا الخوض في تلك المساحات الرّمادية التي تحيط به. في واقع الأمر، لم يفاجئني كثيرا إحجامه عن ذكر ما أُشِيعَ حول اتصالات مشبوهة بين   عضو مجلس النواب النهضاوي أحمد لعماري وبعض العناصر الإرهابية يوم 7 مارس، حيث عُثِر على الرّجل في ساحة العمليات القتالية واحتٌفِظَ به في الثكنة العسكرية طويلا قبل أن يُطْلَقَ سراحه.

خلافا للانطباع السّائد، إنّ الأخبار المؤكّدة والمتاحة في هذه المسائل الشّائكة قليلة جدّا. وكلّما  ازدادت المصادر الموثوق بها شُحًّا ازداد مجال الإشاعة والإشاعة المضادّة في شأنها  اتّساعا لتعمّق في المجتمع التونسي حالة من الرّيبة إزاء سلوك "النهضة" وأخواتها. لذلك ستبقى سردية 7 مارس  2016 ، كمثيلاتها،  سردية مبتورة طالما لم نُعِدْ تركيب عناصر البووزل( puzzle) بدءا بمصبّ الإرهاب في أسفل الهرم حتّى ندرك المنبع في أعلاه. ولن يتيسّر للباحثين والمؤرّخين استكمال ما جرى في بن قردان  بدقة دون نفاذهم إلى مئات التحقيقات الأمنية والعسكرية التي شملت، فضلا عن العناصر الإرهابية المهاجمة، لفيف "الخلايا النائمة" وغير النائمة  التي تغلغلت في النسيج الأسري والقبلي داخل بن قردان وخارجها.

لكن، من مزايا كتاب ملحمة بن قردان أنّه يُفْصِحُ في زحمة السّرد عمّا لم تأت به، عمدا أو سهوا،  الجهاتُ المأذونة ووسائلُ الإعلام المختصّة. فيه من المعطيات ما يؤشّر على أنّ عمليةَ حجب مكثّفة  قد طالت فعلا حَلقةً مفصلية  في الإرهاب الإسلاموي ببلادنا. من السّهل اليوم على الخصوم السياسيين لحركة "النهضة" أن يتّهموها بارتكاب أشنع الجرائم. فالباب، في هذا الشأن، مفتوح على كل الاحتمالات والمزايدات. بيد أنّه يتوجّب علينا، كباحثين، الإقرار بأنّ التوجّس المتنامي داخل المجتمع المدني التونسي إزاء هذه الحركة لم يولد من فراغ. إذ ماانفكّت تعـتّم على علاقتها التاريخية بالمجموعات التكفيرية منذ 2011 وتسعى للإبقاء على تلك الرّوابط خارج دائرة الضوء الكاشف. وقد أسهمت الأحداث العالمية آنذاك في صرف الأنظار عن نشاطها التبشيري والتأطيري في تونس: بينما كان الإعلام العالمي مُنْهَمِكُا في متابعة أخبار القاعدة ثم داعش شرقا وغربا، كانت "النهضة"على علاقة يومية و وطيدة بالجهاديين في المساجد وفي الجمعيات الخيرية.

من البيّن اليوم أنّ خطاب "النهضة" الملتبس حول الإرهاب قد فاقم محنتَها. فإذا كان حرصها على تبرئة ذمّة أتباعها الحاليين من هذه التهمة يعدّ دفاعا طبيعيا ومشروعا عن  وجودها  وعن جمهورها،  فإنّ إمعانها في إنكار صلة الرّحم التي كانت تربطها بقيادات الكتائب الجهادية النشطة على التّراب التونسي  ("جند الخلافة" و"البتّار" و"عقبة بن نافع") يثير استهجانا واسعا لدى المتابعين للشأن العام. ولعلّه أصبح اليوم  من نافلة القول أنّ"النهضة" كانت ولا تزال الحاضنة الرّئيسية للإسلام السياسي بعدما اشتغلت قياداتها لعشريات طويلة على زرع الفكر الأصولي  في البيئة التونسية.

إذا عدنا إلى كتاب ملحمة بن قردان بحثا عن  "البعْرة" التي "تدل على البعير" سنعثر فيه، هنا وهناك، على بعض البعْرات التي تشير إلى مسير جل الجهاديين التونسيين وتقودنا حيث معقلهم الأصلي. في ما يتّصل بغزوة بن قردان تحديدا ، يكفي أن نقتفي أثر مخطِّطِها الرّئيسي، نور الدّين شوشان   عبر سلسلة التشكيلات التي مرّ بها كَي نصل  في منتاها إلى " الاتّجاه الإسلامي"، الحاضنة المركزية التي  انبثقت منها حركة "النهضة" . لقد كان شوشان قياديا كبيرا في تنظيم "البتّار" منذ 2012 ومدرّبا  لعناصره التونسية  بالمعسكرات الليبية  في 2013. وكان قبل ذلك، أي في 2011، عضوا مؤسّسا  ل"انصار الشريعة"  الذي شارك في إرساء نواته الأولى راشد الغنّوشي قبيل رجوعه من المهجر.  وقد عُهِدَ، بعيد الانتفاضة، إلى مجموعة أبي عياض بمهمّة اختراق المؤسّستين العسكرية والأمنية. كما أنّ قواعد هذا التنظيم المُنْحَلِّ لا تزال  تشكّل  جزءا لا يتجزّأ من خزّان  حركة "النهضة" الانتخابي.  إنّ تمادي هذه الحركة في نكران "أُمُومتها" لأجيال من ذرّيتها  ومحاولتها اليوم التفصّي ممّا كانت قد  روّجت له بالأمس إنّما هو ضرب  من التذاكي العقيم  قد يؤجّل مساءلتها السياسية والفكرية إلى حين  دون أن ينهي متاعبها السابقة واللاحقة. فالخطايا التي تُرتَكَبُ في حق المجتمعات لا تُقبَر بالتّقادم.

 

شعبان الحرباوي