المغرب العربي الحديث من خلال النصوص، تأليف الأساتذة دلندة الأرقش عبد الحميد الأرقش و جمال بن طاهر.مركز النشر الجامعي، تونس ، 2003، 475 صفحة.

 

يتنزل هذا الكتاب التونسي، المغرب العربي الحديث من خلال المصادر، في إطار التاريخ الحديث وهو بحث أكاديمي في أربعمائة وخمس و سبعين صفحة صدر سنة 2003 عن مركز النشر الجامعي ميديا كوم لثلة من الأساتذة الجامعيين المنتمين إلى قسم التاريخ

.

 

 

كشف الكتاب عن الخصائص الحضارية لبلدان المغرب العربي الثّلاث (تونس والجزائر والمغرب الأقصى ) في الفترة الحديثة. فهي جهة ضاربة في التاريخ وقد تفاعلت مبكّرا مع التحولات الكبرى التي شهدتها النهضة الأوروبية وتأثّرت بالصراع العثماني الأوروبي كما طُبِعت بظاهرة القرصنة في حوض المتوسط. تلك هي محطّات تاريخية كبرى كان لها في القديم دور مؤسّس في حضارة بلاد المغرب الإسلامي.غير أنّ المؤلّفين يؤكدون على تنوّع وتشعّب العوامل التي أفضت إلى تشكّل السلطة الحديثة في هذه الربوع. فللمغرب، مقارنة بالمشرق العربي ، خصوصيات عدّة منها علاقاته التاريخية الوثيقة مع أوروبا ويذكّرون، مثلا، أنّه بعد سقوط الأندلس لجأ عدد هائل من المهجّرين الى البلدان الثلاث و أنّ أكبر نسبة من الموريسكيين أتت إلى تونس ممّا ساهم في تكوين أرضية صالحة للانفتاح على الغرب.

كشف هذا المرجع المهم ايضا عن الأسباب التي يسّرت في الفترة الحديثة الغزو الأوروبي المسيحي لبلدان المغرب العربي ومكّنته، بالتالي، من السيطرة على المسالك التجارية فيه.كما تناول الكتاب بالشرح الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية المتأزمة في تونس والجزائر و المغرب الأقصى آنذاك و المتمثلة في الانكماش و التقهقر الاقتصادي إلى جانب تراجع الفكر المنتج للمعرفة و غياب العلوم الصحيحة و انتشار الخرافات و بروز الظاهرة الطرقيّة التي تقدس الأولياء الصالحين، الخ...

غير أنّ مصطلح " المغرب العربي" يبقى محل استفهام وقد يثير جدلا، هناك من الباحثين من يخيّر اليوم استعمال " المغرب الكبير". فإلى أي مدى تستقيم هذه التسمية و قد أتت في عنوان الكتاب بينما اعتمد بعض مؤلفيه ،داخل النص، مصطلح " البلدان المغاربية"؟ للقارىء أيضا أن يتساءل: لماذا وقع اعتماد "البلدان المغاربية" عوضا عن" البلدان المغربية " وقياسا على مصطلح " البلدان المشرقية " لا "المشارقية.؟

من الجوانب الطريفة لهذا الأثر أنّه تعرّض لوقائع تاريخية من خلال النصوص ، لكنّه لم يقارنها تاريخيا بالأحداث العالمية والأوروبية، كما وعد بذالك مؤلّفوه في المقدمة. فتنزيل الفصول الثلاث الخاصة ببلدان المغرب العربي تنزيلا أكثر دقة في سياق و منظومة الأحداث الكونية يساهم في توسيع دائرة المعارف التاريخية.

صحيح أن الوثيقة النصيّة تحتوي على حقائق ثابتة، لكن النص المقتبس من مرجع (كتاب) غير كاف لإقرارها بل هناك نصوص أصلية وجب استغلالها كالمخطوطات النادرة في بلاد المغرب العربي والاستعانة كذلك بالدراسات الاستشراقية التي ثبتت قيمتها العلمية. انّ اعتماد مبدأ التنوع في اختيار الوثائق الأرشيفية يضمن اختلاف الزوايا التاريخية ويؤسّس لتعدّد وجهات النظر.

سناء الاهي