في زَمَنِ الغَصْبِ
شكري المبخوت،" الطلياني" ،دار التنوير للطباعة و النشر، تونس،346 صفحة 2014 .
ليس باليسير على الرّوائي أن يستحضر التاريخ بكثافة أو أن يجعل منه رافدا سرديا هاما في أعماله الابداعية لأنّ المزاوجة بين وقائع موثّقة وأخرى من صنع الخيال تبدو عملية فنيّة مضنية. هذا فضلا عن صعوبة تصريف الأحداث الحقيقية روائيا، إذ هي مادة سردية سميكة قلّما تترك في نسيجها فجوات للإبداع: شخوصها مُكْتَمِلة و وقائعها ثابتة لا تقبل التّطويع. لذلك لا يجرؤ الروائيون غالبا على اقتحام قلعة التاريخ إلاّ في فترة متأخّرة من مسيرتهم وبعد مخاتلته عبر تجارب روائية عديدة. لقد روّض الكوبي ليوناردو بادورا،مثلا، تاريخ بلاده المعاصر طويلا، فبث منه شذرات ،هنا وهناك، في نصوصه قبل أن يخوض فيه رأسا في"النجمة و النخلة" ، وكابد عبء التحقيق والتوثيق ليصوغ اغتيال الزعبم الشيوعي تروتسكي صياغة فنية ممتعة في عمله قبل الأخير " الرّجل الذيأحبّ الكلاب" .
كانت تتجاذبني كل هذه الأفكار عندما شرعت في قراءة رواية " الطلياني "الصادرة بدار التنوير للطباعة و النشر في 2014. يسرد فيها صاحبها محنة الثنائي عبد الناصر و زينة مُسْتَجليا جوانب عديدة من تاريخ تونس في العقد الأخير من القرن الماضي. لا أخفي أنّي جئتُ الكتابَ مُتَهيَبا ربّما بفعل المفاجأة. وأيضا لما تنطوي عليه هذه التجربة من مجازفة حقيقية. ف"الطلياني" رواية بِكْرٌ لأستاذ لامع ترسّخت قدمه في حقل البحث الجامعي. لكن يبدو أنّه حذا حذو زميله حسين الواد، فنزع عن نفسه عباءة الأكاديمي ليخوض غمار الكتابة الابداعية. على كلّ، وفي حدود ما أعلم، لم تكن مشاغل المبخوت الفكرية المُعْلَنة تؤشر من بعيد أو من قريب عن انخراطه في ا لإبداع الرّوائي تحديدا.